بلدنا أمانة في أيدينا

بلدنا أمانة في أيدينا
 
محمود عبد القادر
حين أتجول فى شوارع بلدى الحبيب مصر عقب إحدى مباريات منتخب مصر لكرة القدم أرى اهتمام المصريين البالغ بالمباراة وتمنيهم الفوز وفرحتهم الكبيرة به أو حزنهم البالغ بعد الهزيمة.
أرى اهتمامهم بالغا للغاية لدرجة تعطل مصالح وأعمال مصر كلها خلال المباراة ولا ينشغل أى مصرى سوى بمتابعة المباراة وهو جالس على أعصابه.
من ير اهتمام المصريين آنذاك يعتقد أن مصر أقوى دولة فى العالم بقوة شعبها الواقف وقفة رجل واحد آنذاك ويعتقد أن هذا الشعب إذا اتحد واجتمع على فعل شىء بنفس القوة والإصرار الذى اجتمع عليه فى تشجيع منتخب بلده فى المباراة لاستطاع بكل سهولة أن يفعل ذلك الشىء.
إذا نظرنا إلى بعض الدول المتقدمة فسنرى أسباباً كثيرة لتقدمها ولعل أهم هذه الأسباب كثرة مواردها وتوافر مقومات النجاح فى جميع المجالات فيها وأهم مورد من هذه الموارد هو المورد البشرى الذى تعد جودته أساس تقدم هذه الدول وتتمثل تلك الجودة فى التزام مواطنى هذه الدول بالأخذ بأسباب التقدم من أجل مصلحتهم ومصلحة موطنهم.
بالنظر إلى بعض الدول الفقيرة المتقدمة، سنجد السبب الرئيسى لتقدمها حرص مواطنيها على مصلحة وطنهم لذا يحرصون على استغلال مواردهم القليلة أفضل استغلال.
هؤلاء قهروا الفقر وقلة الموارد وتغلبوا عليهما بعملهم الذى صنع لهم المستحيل فاستحقوا تقدير العالم.
إن وطننا الغالى مصر أمدنا قدر استطاعته بكثير من الخدمات المجانية كمجانية التعليم مثلاً لكن للأسف معظم هذه الخدمات مزيفة ومظهرية فقط ولا نلوم فى هذا التزييف وطننا الحبيب وإنما نلوم شعبنا الذى أساء استخدام هذه الخدمات؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد المسئولين فى معظم المصالح الحكومية يماطلون ويتكاسلون فى تأدية عملهم وقس على ذلك الفساد والإهمال والاستغلال السيئ لموارد الدولة الكثير من الصور مثل إيذاء شعبنا بعضه البعض وكل من يُنصَب عليه أو يُغَش فى شىء يحاول أن ينصب على الآخرين ليروى غليله الأمر الذى أدى إلى انتشار الكراهية والعدوانية والفرقة بين أفراد شعبنا وقد أدى ذلك بدوره إلى ضعف مجتمعنا المصرى فى المجالات كافة.
أقولها بصراحة: معظم شعبنا لا يتحد إلا فى تنظيم المظاهرات والهتافات والحملات والاجتماعات والمؤتمرات فهو يعشقها دون النظر إلى مدى الاستفادة من هذه الأفعال ودون جدية فى الاستفادة منها؛ فمثلا منذ فترة نظم طلاب جامعتنا حملة عن اللغة العربية وكانت هتافاتهم تهز الجامعة وعندما نظرت إلى شعار الحملة وجدته مكتوباً هكذا "احمى لغتك" والصواب "احم لغتك" ولم تتضمن الحملة ندوات عن التصويب اللغوى ولا كتبا عن شىء مفيد فى اللغة وإنما ضمت هتافات ونشر الملصقات فقط.
ورأيت أيضاَ مظاهرة عن الانتفاضة الفلسطينية نظمها حشد كبير جداً من الناس ولم تفد المظاهرة الانتفاضة الفلسطينية بشىء وعندما بدء جمع التبرعات التى ستفيد الانتفاضة فعلاً لم يشارك بها إلا عدد قليل جداً وانفض الحشد الكبير، وحينها رأيت كيف يجرى شعبنا وراء الشعارات وترويج الإشاعات وعند وقت الجد والعمل الحقيقى لا الكلام لا تجد إلا القليل.
لقد أوضح برنامج "خواطر" التلفازى الذى أعده وقدمه "أحمد الشقيرى" والفيلم المصرى "عسل أسود" والفيلم المصرى "بالألوان الطبيعية" أن معظم شعبنا فى منتهى السوء مع وجود قلة قليلة جداً بين هذا الشعب صالحة يجب أن تحكم البلاد ولكن كيف ستستطيع الإصلاح وسط فساد الناس النابع من نفوسهم لا من شىء آخر فهو ذاتى المنيع كعضلة القلب ذاتية الحركة ، ودعونا نتخيل ما فائدة أفضل مدرب إذا منح لفريق لاعبوه فاسدون؟!؛ كذلك القوانين الجيدة لا تجدى دون وجود سلطة جيدة تنفذها والاثنان لا يجديان دون وجود شعب يساعدهما على التنفيذ؛ لأن أى نجاح أو فساد فى العالم لا يأتى من شخص بمفرده مهما كانت سلطاته أو جبروته أو قوته وإنما يأتى من تعاون مجموعة أطر الشبكية وقد كان أهم شىء ساعد الخليفة المصلح "عمر بن عبد العزيز" فى مشروعه الإصلاحى التفاف شعبه حول مشروعه الإصلاحى عندما لمسوا صدقه وإخلاصه.
فى حال فساد شعبنا أرى صدق المثل الشعبى "هم اللى علموا الكذب يكذب"؛ فقد كنت أعتقد أن إصلاح القوانين كفيلاً لإصلاح مجتمعنا لكنى اكتشفت أن ذلك ليس كافياً وأنه لابد أن يصلح الشعب نفسه بنفسه وسأسرد تجربة تدل على ذلك:
فى البنوك اتبع نظام الأرقام على الخزانة منعاً للوساطة فى ترتيب قضاء العملاء معاملاتهم البنكية بمعنى أن عميل البنك يتسلم عند دخوله البنك رقماً مسلسلاً من موظف الأمن وهم رقم دوره وينتظر حتى يأتى دوره بأن يظهر رقمه على شاشة الخزانة وهذا النظام معمول به منعاً للوساطة لأن الأرقام بترتيبها التسلسلى لا تدع فرصة لتحشير رقم بينها لكنى رأيت مرة الخزانة بعدما ظهر عليها رقم 445 لم يظهر عليها 446 وإنما ظهر عليها 334 وذلك لأن عميلاً ذا وساطة أراد أن يقوم بمعاملة بنكية فى تلك اللحظة فأعطوه هذا الرقم وعندما تجادل مسئولى البنك فى ذلك يخبرونك بأنه حين أتى دور رقم 334 كان صاحبه بالخارج وأتى الآن (وطبعاً هذا كذب لأنه لو حدث ذلك فعندما يعود صاحب رقم 334 سيكون عليه سحب رقم جديد والانتظار من جديد)، حينذاك تأكدت أن هذا الشعب الذى تشربت نفسه روح الفساد لن يصلحه أى نظام صالح إلا لو كان الإصلاح نابعاً من نفسه وقد صدق القول "لا ينفع الجرباء قرب صحيحة لها ولكن الصحيحة تجرب).
وحتى إذا توفرت السلطة التنفيذية الناجحة والقوانين الرادعة فلن يجديا دون تعاون الناس فى التنفيذ؛ لأن القوانين الدنيوية تتعامل فى الظاهر ولا تستطيع كشف الباطن؛ لذا هناك أشياء لا تستطيع القوانين الوضعية تقنينها؛ فمثلاً عندما يدخل عميل البنك لإيداع رصيد بحسابه؛ فإيصال إيداعه الذى يتسلمه من الصراف يثبت حقه وقد قنن القانون ذلك لكن إذا تسلم الصراف المال من العميل ولم يعطه إيصال إيداع وأنكر حقه ولم يك هناك شهود أو شهدوا زوراً فإن القانون الدنيوى حينها لن يستطيع تقنين ذلك ولابد من صلاح الناس وتعاونهم مع القانون.
لقد خلقنا الله سبحانه لعمارة الأرض وأنعم علينا بوطننا الحبيب وإذا كان وطننا يفتقر لكثير من الموارد فلديه أعز الموارد وهو الثروة البشرية التى تمثل الكنز الحقيقى لأى مجتمع.
لنتذكر قول الشاعر "وما يرفع الأوطان إلا رجالها وهل يترقى الناس إلا بسلم؟".
إن لم نفق من غفلتنا ونرفع وطننا الحبيب فمن سيرفعه؟!
يجب أن نكون غيورين على وطننا وأن نتحد ونقف صفاً واحداً من أجل رفعة وطننا الحبيب، ويجب أن نوقظ قلوبنا وعقولنا من غفلتهم ونعلم أن مصلحة الوطن من مصلحتنا الشخصية ونكف عن إيذاء بعضنا البعض حتى لا نتعرض لرد فعل هذا الإيذاء من كل منا ونظل فى صراع داخلى أهلى بدلاً من التكاتف.
ويجب أن نكف عن الفساد والنقد الهدام والتمرد على الحكومة، علينا محاولة الإصلاح بدلاً من التمرد.
ليؤد كل منا عمله بإتقان ويوقظ ضميره ولنتعاون فى خدمة بعضنا البعض وفى خدمة وطننا الحبيب.

التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;