عاجل: إعلام الفيوم ينظم ندوة بعنوان " حرب اكتوبر . بطولات وإنجازات

قرب افتتاح المتحف المصري الكبير: ولادةُ ذاكرةِ حضارةٍ من جديد

قرب افتتاح المتحف المصري الكبير: ولادةُ ذاكرةِ حضارةٍ من جديد

على بُعد خطواتٍ من هضبة الأهرامات العريقة، يستعد المتحف المصري الكبير لفتح أبوابه أخيرًا أمام العالم، بعد مسيرةٍ طويلة من البناء والتخطيط والترميم والنقل، ليغدو واحدًا من أهم الصروح الحضارية في القرن الحادي والعشرين. إنه ليس متحفًا فحسب، بل مشروع وطني، ورحلةُ استعادةٍ واعية لروح التاريخ، ونافذةٌ مشرعة على حضارةٍ قدّمت للإنسانية إحدى أعظم روايات الوجود والمعرفة.

يمتد المتحف المصري الكبير على مساحةٍ تتجاوز نصف مليون متر مربع، ليكون واحدًا من أكبر المتاحف في العالم المُخصّصة لحضارة واحدة. وقد جاء تصميمه المعماري متناغمًا مع جغرافية المكان؛ فواجهته الزجاجية تتجه نحو الأهرامات كتحيةٍ إلى الأجداد، وكأن الماضي يتبادل النظرات مع الحاضر عبر ممرٍ من الضوء.

ويضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من مختلف العصور الفرعونية، كثير منها يُعرض لأول مرة، بعد أن ظل في المخازن لعقود بسبب ضيق مساحة المتحف القديم بميدان التحرير.

من أبرز ما ينتظره العالم داخل هذا المتحف هو العرض الكامل لمقتنيات الفرعون الذهبي توت عنخ آمون. فهذه المقتنيات – التي أبهرت الدنيا منذ اكتشافها في وادي الملوك عام 1922 – ستُعرض للمرة الأولى مجتمعة في قاعات مجهّزة وفق أحدث تقنيات العرض المتحفي، بما يسمح للزائر برؤية تفاصيل الذهب، والأحجار، والعربات الملكية، والتماثيل الصغيرة، وحتى مقتنيات الحياة اليومية للملك الطفل.

إنه ليس عرضًا للذهب فحسب، بل عرضٌ لطبيعة الحياة، وللفلسفة الجمالية، ولحضور الروح في الفن.

عند دخول الزائر، يستقبله الدرج العظيم الذي تُرصّ عليه تماثيل مهيبة للفراعنة والآلهة، وكأن الزائر يبدأ رحلته صعودًا نحو التاريخ، لا هبوطًا إليه.

يتموضع تمثال رمسيس الثاني في بهو الواجهة، بشموخٍ يُذكّر كل من يراه أن مصر ليست مجرد ذاكرة، بل حضورٌ متجدد.

هذا المشهد وحده كفيل بأن يجعل الزائر يشعر أنه لا يدخل متحفًا فقط، بل يخطو إلى عتبة الزمن.

لم يعد المتحف الحديث مجرد قاعات عرض، بل تجربة متكاملة، ولذلك وفر المتحف المصري الكبير،عروضًا تفاعلية رقمية،شاشات تفسيرية متعددة اللغات،مسارات تعليمية للأطفال، قاعات سينمائية وثقافية، ساحات وفناءات مفتوحة تطل على الأهرام، ومركزًا للترميم هو الأكبر في الشرق الأوسط

بهذا، يتحول المتحف من “مكان للعرض” إلى “مدرسة حيّة للحضارة”.

لا يُنظر إلى المتحف باعتباره مشروعًا ثقافيًا فقط، بل ركيزة أساسية في النهوض بالسياحة المصرية.

فافتتاحه يتزامن مع تطوير منطقة الجيزة، وتحسين الطرق المؤدية إليها، وإنشاء مطار سفنكس الدولي القريب، بما يجعل الوصول إلى الموقع أكثر سلاسة للزوار من الداخل والخارج.

ومن المتوقّع أن يساهم المتحف في زيادة عدد الزوار سنويًا، تنشيط الفنادق والمشروعات المحيطة، جذب استثمارات ثقافية وترفيهية جديدة وكذلك تعزيز صورة مصر كعاصمة للحضارة

المتحف المصري الكبير ليس حدثًا أثريًا فقط، بل حدث شعوري، يُعيد للمصري علاقته الرمزية بحضارته.

فمصر دولةٌ لا تُقاس أعمارها بالسنوات ولا بالقرون، بل بالألفيات.

وفي كل مرة يستعيد فيها المصري جزءًا من ذاكرته الحضارية، يستعيد شيئًا من ذاته.

إن افتتاح هذا المتحف هو لحظة تقول فيها مصر للعالم نحن أبناء أول حضارة كتبت الحرف، ونحتت الحجر، وقامت على العلم والإبداع، وما زلنا هنا… نواصل الحكاية.

قرب افتتاح المتحف المصري الكبير ليس مجرد حدث ثقافي، بل مرحلة جديدة من رواية مصر القديمة والحديثة معًا. إنه جسر بين زمنين، وهدية تقدمها مصر إلى الإنسانية؛ لتعيد التذكير بأن الحضارة ليست مجرد آثار صامتة، بل روحٌ تهب الحياة لمعنى الوجود.

فحين يفتح المتحف أبوابه، لن يكون العالم أمام “مخزن آثار”، بل أمام أكبر كتاب مفتوح كتبته يد الإنسان عبر التاريخ.

الكلمات المفتاحية

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التعليقات

ضعي تعليقَكِ هنا

التقيمات

عاجل

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;