كلنا عابرون في حياة الآخرين

كلنا عابرون في حياة الآخرين

في عالم العلاقات المتشابك ينسى الإنسان أحيانًا أن طاقته ليست موردًا لا ينضب، وأن قلبه ليس ساحة مفتوحة لكل من يمر. نغرق في محاولات إرضاء الآخرين، نستنزف مشاعرنا، ونجرب أن نمسك بيد من لا يريد البقاء.

ومع كل هذا نعود إلى الحقيقة البسيطة التي نتجاهلها مرارًا

أننا عابرون في حياة بعضنا… والعابر لا يجب أن يفنى لأجل التوقف.

 

يتردد دائمًا في تفكيري لماذا نتعلق بمن لا يستحق؟

وجدت أن الإنسان يبحث دائمًا عمن يشعره بأنه ذو قيمة فيمنح الكثير منا أملًا في علاقة تعيد ترتيب الحياة له أو اشفاء الجرح القديم، أو لمجرد الشعور بالأمان له مرة آخرى.. ولذلك نعطي فرصة مكررة نغض الطرف فيها عن الإهمال ونبرر السلوك القاسي ونجهد أنفسنا في إصلاح ما كسر من طرف واحد ومع الوقت يتحول هذا السلوك إلى إنهاك عاطفي لمرة جديدة متكررة يسرق منا هدوءنا وحرارة قلوبنا ونكرر فيها أخطأنا. 

 

هناك علاقات لا تحتاج إلى تحليل طويل يكفي أن نشعر بأننا نتغير للأسوأ وأن تكون دائمًا المعطي والطرف الآخر دائمًا الآخذ حتى تصبح العلاقة خدمة لا مشاعر وتشعر بقلق من أن تخسر شخصًا لا يبذل أدنى جهد ليبقى.

تشعر بقلق من كلمة، أو صمت، أو تغير بسيط في نبرة الصوت

وحين تشعر بأن وجودك لا يضيف، وأن غيابك لا يلاحظ، وأنك تتضاءل في عيون نفسك لأنك كبرت أكثر من اللازم في عين لا ترى.

حين تشعر أن محبتك مستحقة، لكن محبتهم لك معلّقة بشرط، أو مزاج، أو مصلحة.

هذه ليست تفاصيل عابرة، بل إنذارات واضحة تقول لك

لقد تجاوزت حدودك… وآن لك أن تعود لنفسك.. استيقظ من غفلتك الآن. 

 

ليست كل العلاقات خُلقت لتبقى. بعض البشر دورهم مؤقت

يأتون ليُعلّموا، ليُغيّروا، ليكشفوا ما لم نكن نراه، ثم يمضون.

والمأساة الحقيقية ليست في رحيلهم، بل في رفضنا تقبل أن لهم نهاية.. العابون ليسوا مذنبين دائمًا، ولا بالشرط نحن..

ولكن هكذا الحياة وجوه تظهر، تترك أثرًا صغيرًا أو كبيرًا ربما، ثم تختفي ليكمل كلًا منا طريقه.

وحين ندرك أن البقاء ليس معيار القيمة، تصبح قدرتنا على التخفف أكبر، وقلوبنا أخف، وتوقعاتنا ألطف.

فلا ترهق نفسك… فالقلب الذي يحب لا يجب أن يتأذى

 

الإرهاق في العلاقات يحدث عندما تحاول إنقاذ من لا يريد النجاة.

تعطي ثقلًا لمن لم يمنحك يومًا وزنًا وتصر على علاقة ماتت بينما الطرف الآخر دفنها منذ زمن وتبرر الأذى لأنك تخشى الفراغ.

لكن الحقيقة الثابتة القلب لا ينكسر من قلة الحب، بل من كثرة ما يعطي بلا مقابل لا ترهق نفسك مع من لا يحفظ حضورك ولا يقدر وقتك لا يتذكرك إلا عند الحاجة لا يفرح بالقرب ولا يتألم من البعد يراك خيارًا بينما هو عندك مركز الكون .. أنت تستحق علاقة خفيفة لا تثقلك، صادقة لا تربكك، ثابتة لا تتعبك.

 

وهنا أسأل نفسك كيف تعود إلى ذاتك بعد علاقة مُنهكة؟

اعترف بما شعرت به فالقوة ليست في الإنكار، بل في مواجهة الذات.. قل نعم تعلقت. نعم تأذيت. نعم أعطيت أكثر مما يجب.

هذه أول خطوة نحو التعافي، وأعد ترتيب حدودك.

ضع لنفسك خطوطًا واضحة لا يتجاوزها أحد فالحدود ليست أنانية بل احترام للروح واستعد مساحتك الخاصة وأعد اكتشاف الأشياء التي تسعدك دون الآخرين

القراءة، الكتابة، الرسم، الوقت الهادئ، الأحلام المؤجلة؛ ولا تلاحق من يبتعد ولا تركض خلف من اختار أن يرحل.

من يريدك سيُبقي الباب مفتوحًا.. ومن يغلقه بوجهك أنقذك من علاقة بلا مستقبل.

وامنح نفسك حبًا كافيًا فالحب الذي تنتظره من الآخرين ابدأ بمنحه لنفسك.. كن الصديق الذي لم تجده، والسند الذي افتقدته، والطمأنينة التي بحثت عنها فالحياة لا تقاس بعدد الأشخاص الذين مروا، بل بعمق الذين بقوا.. مع ذلك لا بأس بالتخفف، ولا بأس بالرحيل، ولا بأس بأن تنجو بنفسك.

 

تذكر دائمًا

لا ترهق قلبك مع من لم يجهد نفسه ليقترب منك.

فكلنا عابرون في حياة بعض… لكننا لسنا مضطرين أن ننكسر في طريق هؤلاء العابرين.

الكلمات المفتاحية

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التعليقات

ضعي تعليقَكِ هنا

التقيمات

عاجل

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;