في ذكري ميلاد ناصر، قتلناك يا آخر الأنبياء

في ذكري ميلاد ناصر، قتلناك يا آخر الأنبياء
بعد وفاة الزعيم الخالد الذكر جمال عبدالناصر رثت أم كلثوم جمال عبدالناصر بقصيدة للشاعر الباكستاني الكبير محمد إقبال (حديث الروح) التي ترجمت إلي معظم لغات العالم الحية وكانت تعبيراً صادقاً عن علاقة الروح بالجسد بشكل روحاني واستطاعت كوكب الشرق غناء القصيدة بصورة أقرب إلي التصوف.
كانت العلاقة بين كوكب الشرق وناصر تتميز بالخصوصية، فبعد نجاح ثورة الضباط الأحرار 1952 منعت أغاني أم كلثوم من الإذاعة المصرية علي اعتبار أنها من العهد البائد، ولما عرف ناصر استهجن ذلك فقد كان من عشاق صوت كوكب الشرق، فأمر بإعادة بث أغاني أم كلثوم في الإذاعة ثانية.
فأم كلثوم في عهد ناصر كانت هي (ألفة) جيلها وكان ناصر يقدر فنها وكانت مطربته الأولي التي يقدمها علي الجميع كما أنه استثمر صوتها كقوة ناعمة وخاصة في جمع التبرعات للمجهود الحربي بعد النكسة، علي الجانب الآخر هل قنعت أم كلثوم بقصيدة رثاء واحدة لناصر، فناصر لاتكفيه كل كلمات رثاء شعراء الكون منذ نشأته وحتي فنائه.
فقرأت لنزار قباني ديوانه الشهير (لا) الذي حوي عدة مرثيات لناصر التي عرفت فيما بعد بالمرثيات الأربع، رسالة إلي الزعيم، وفي ذكري جمال عبدالناصر، وقتلناك يا آخر الأنبياء، والهرم الرابع.
لكن أم كلثوم اختارت قصيدة رسالة إلي الزعيم، أغرمت أم كلثوم بهذه القصيدة وقررت غناءها وأسندت تلحينها لملحنها الأول والمفضل وخاصة في القصائد، الموسيقار الكبير رياض السنباطي.
تم تسجيل الأغنية بالفعل في الإذاعة المصرية، ولكن المدهش والمحير في نفس الوقت أن القصيدة بعد أن غنتها أم كلثوم بسويعات قليلة فوجئ مدير الإذاعة المصرية بطلب غريب لكوكب الشرق تطلب منه سحب شريط تسجيل الأغنية! وتمكنت من سحبها بالفعل ولأول مرة تظهر أم كلثوم التي غنت أكثر من ألف أغنية بصورة السيدة المشوشة التي لاتعرف ماتريد!.
الإعلامي وجدي الحكيم أحد شهود العيان علي هذا الحدث بل لنقل الحادثة اللغز في تاريخ أم كلثوم يفك لنا طلسم هذا اللغز فيؤكد وجدي الحكيم: أن سبب تراجع أم كلثوم عن الموافقة على إذاعة الأغنية حزنها الشديد على الرئيس عبد الناصر فيقول: هذه الأغنية سجلتها أم كلثوم في ليلة كاملة من الساعة الثانية عشرة صباحاً وحتى الساعة الثامنة صباحاً بسبب حزنها الشديد على عبدالناصر وقتها الذي جعلها تبكي مع كل جملة تسجلها، وهي من كلمات نزار قباني وألحان رياض السنباطي وأشرفتُ على إنتاجها، ولكني فوجئت بعد ساعات من انتهاء أم كلثوم من تسجيلها تطلب عدم إذاعتها مؤكدة له أنها ترى أن الحزن على عبدالناصر سيبقى في القلب، بينما لا يجب التشويش علي الرئيس الجديد أنور السادات الذي تولى أمور البلاد بعد تسجيل هذه الأغنية بساعات قليلة، مما أثار غضب السنباطي، وكان له موقف معها لرفضها إذاعة الأغنية بعد المجهود الذي بذله هو وفريق العمل فيها.
هل بالفعل كانت هذه قناعات أم كلثوم أم أن السياسة كانت سبباً في قتل القصيدة؟ أم آثرت كوكب الشرق العمل بالمبدأ العربي الشهير الذي نملك حقوقه الفكرية والأدبية بصورة حصرية (عاش الملك مات الملك) كان سيد الموقف؟ هل نزار قباني الذي رثي ناصر بديوانٍ كامل يحوي عدة قصائد كان أكثر وفاءً لناصر من أم كلثوم؟ ولمً الدهشة والاستغراب من قتل قصيدة (رسالة إلي الزعيم) بعدما قتلنا الزعيم كما قال نزار قباني في أجمل قصيدة رثاء لناصر علي الإطلاق.
قتلناكَ.. يا آخرَ الأنبياءْ
قتلناكَ..
ليسَ جديداً علينا
اغتيالُ الصحابةِ والأولياءْ
فكم من رسولٍ قتلنا..
وكم من إمامٍ..
ذبحناهُ وهوَ يصلّي صلاةَ العشاءْ
فتاريخُنا كلّهُ محنةٌ
وأيامُنا كلُّها كربلاءْ..
نزلتَ علينا كتاباً جميلاً
ولكننا لا نجيدُ القراءهْ..
وسافرتَ فينا لأرضِ البراءهْ
ولكننا.. ما قبلنا الرحيلا..
تركناكَ في شمسِ سيناءَ وحدكْ..
تكلّمُ ربكَ في الطورِ وحدكْ
وتعرى..
وتشقى..
وتعطشُ وحدكْ..
ونحنُ هنا نجلسُ القرفصاءْ
نبيعُ الشعاراتِ للأغبياءْ
ونحشو الجماهيرَ تبناً وقشاً
ونتركهم يعلكونَ الهواءْ
قتلناكَ..
يا جبلَ الكبرياءْ
وآخرَ قنديلِ زيتٍ..
يضيءُ لنا في ليالي الشتاءْ
وآخرَ سيفٍ من القادسيهْ
قتلناكَ نحنُ بكلتا يدينا
وقُلنا المنيَّهْ
لماذا قبلتَ المجيءَ إلينا؟
فمثلُكَ كانَ كثيراً علينا..
سقيناكَ سُمَّ العروبةِ حتى شبعتْ..
رميناكَ في نارِ عمَّانَ حتى احترقتْ
أريناكَ غدرَ العروبةِ حتى كفرتْ
لماذا ظهرتَ بأرضِ النفاقْ..
لماذا ظهرتْ؟
فنحنُ شعوبٌ من الجاهليهْ
ونحنُ التقلّبُ..
نحنُ التذبذبُ..
والباطنيّهْ..
نُبايعُ أربابنا في الصباح..
ونأكلُهم حينَ تأتي العشيّهْ..
قتلناكَ..
يا حُبّنا وهوانا
وكنتَ الصديقَ، وكنتَ الصدوقَ،
وكنتَ أبانا..
وحينَ غسلنا يدينا.. اكتشفنا
بأنّا قتلنا مُنانا..
وأنَّ دماءكَ فوقَ الوسادةِ..
كانتْ دِمانا
نفضتَ غبارَ الدراويشِ عنّا..
أعدتَ إلينا صِبانا
وسافرتَ فينا إلى المستحيل
وعلمتنا الزهوَ والعنفوانا..
ولكننا حينَ طالَ المسيرُ علينا
وطالتْ أظافرُنا ولحانا
قتلنا الحصانا..
فتبّتْ يدانا..
فتبّتْ يدانا..
أتينا إليكَ بعاهاتنا..
وأحقادِنا.. وانحرافاتنا..
إلى أن ذبحناكَ ذبحاً
بسيفِ أسانا
فليتكَ في أرضِنا ما ظهرتَ..
وليتكَ كنتَ نبيَّ سِوانا…
أبا خالدٍ.. يا قصيدةَ شعرٍ تقالُ
فيخضرُّ منها المدادْ..
إلى أينَ؟
يا فارسَ الحُلمِ تمضي..
وما الشوطُ، حينَ يموتُ الجوادْ؟
إلى أينَ؟
كلُّ الأساطيرِ ماتتْ..
بموتكَ.. وانتحرتْ شهرزادْ
وراءَ الجنازةِ.. سارتْ قريشٌ
فهذا هشامٌ..
وهذا زيادْ..
وهذا يريقُ الدموعَ عليكْ
وخنجرهُ، تحتَ ثوبِ الحدادْ
وهذا يجاهدُ في نومهِ..
وفي الصحوِ..
يبكي عليهِ الجهادْ..
وهذا يحاولُ بعدكَ مُلكاً..
وبعدكَ.. كلُّ الملوكِ رمادْ..
وفودُ الخوارجِ.. جاءتْ جميعاً
لتنظمَ فيكَ ملاحمَ عشق
فمن كفَّروكَ..
ومَنْ خوَّنوكَ..
ومَن صلبوكَ ببابِ دمشقْ
أُنادي عليكَ.. أبا خالدٍ
وأعرفُ أنّي أنادي بوادْ
وأعرفُ أنكَ لن تستجيبَ
وأنَّ الخوارقَ ليستْ تُعاد.

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;