يُعَدّ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من أهم المظاهر الدينية والاجتماعية التي تدخل البهجة إلى قلوب الصغار والكبار. وقد تميّزت مصر منذ العصر الفاطمي بصناعة عروس المولد في ثوبها الوردي المزيَّن بالكرانيش، وكذلك حصان المولد لإسعاد الأطفال.
ومن اللافت أن مصر القديمة شهدت مشاركة المسيحيين في إحياء هذه المناسبة، حيث كانوا يصنعون عروس المولد في مصانع منطقة أبو مينا بكينج مريوط في الإسكندرية، نظرًا لتقدّمهم آنذاك في زراعة وصناعة السكر. وكانت العروسة ترمز في المسيحية إلى النفس البشرية، وهي اللعبة المحببة للبنات، بينما صُوّر الفارس على جواده رمزًا للبطل الذي يطعن الشر بحربته.
وفي العصر الفاطمي أُعيد تشغيل مصانع الحلوى في أبو مينا، بعد أن كانت مغلقة، بالتزامن مع الاحتفال بالمولد النبوي، فعاد العمال المسيحيون للعمل وصنعوا العروسة والحصان، لتدخل الفرح على قلوب الأطفال المسلمين والمسيحيين على حد سواء، بعيدًا عن أي مدلولات دينية.
أما في مصر عمومًا، فقد كانت احتفالات المولد ذات طابع قومي جامع، يشترك فيها المسلمون والمسيحيون معًا. وقد عبّر الباحث الفرنسي إدوارد ليم لين عن دهشته من احتشاد المسيحيين لحضور حلقات الإنشاد حتى أذان الفجر. كما سجّلت الحملة الفرنسية مشاهد الاحتفال بالمولد في ساحة الأزبكية، حيث نُصبت السرادقات للذكر والإنشاد، والتف الناس حول حلقات الدراويش والمهرجين، بينما كان الخليفة الفاطمي يخرج في موكب مهيب يمتطي صهوة جواده، تتقدمه سيدة القصر في هودجها انطلاقًا من قصر الخلافة.
وهكذا، شكّلت هذه المظاهر الجميلة عبر العصور جزءًا من النسيج الوطني المصري، ورسّخت قيم الوحدة والمشاركة بين أبناء الوطن، فكان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف رمزًا للتلاحم والفرح المشترك.
كل عام وشعب مصر في رباط من المحبة والوئام بمناسبة المولد النبوي الشريف.