ستٌ وثلاثون سنة

ستٌ وثلاثون سنة

ستٌ وثلاثون سنة

أسندت راحتها اليمنى على حافة باب الثلاجة صغيرة الحجم، قبل أن تهم بفتحه وإخراج بعض المتطلبات التي راق لها ملمسها البارد في هذا الجو الحار .

اخرجت بعض الخضر وعلبة الصلصة، ونجحت بعد عناء في إخراج كيس اللحم من المُبرد؛ بسبب الثلج المتراكم، دونت في ورقة صغيرة الصقتها بمغناطيس أعلى باب الثلاجة بعد أن أغلقته : " ضرورة تفريغ الثلج المتجمد في أول أغسطس " 

توجهت ببعض حبات الفلفل الرومي الملون إلى لوح الرخام المجاور للموقد، ثم بدأت في تقطيعه إلى شرائح متفاوتة بين السُمك والرُفع، بعدها اخذت في تقطيع البصل الي شرائح رفيعة، سالت الدموع من عينيها فحاولت المقاومة حتى تنتهى وكي لا يصيبها التقطيع بجرح، ولكنها لم تُفلح .

أسرعت إلى علبة المناديل تسحب منها في عشوائية واضحة، مُحاوِلةً كبح جماح الدماء المندفعة جراء الجرح في راحتها اليُسرى .

زاد عليها الألم فبكت، بل انها تركت نفسها للبكاء بصوت عال سرعان ما تحول إلى نحيب .

مسحت براحتها اليمنى الدموع لترى أمامها صورته التي فارقتها منذ لحظات شاركته فيها الجلوس على إحدى المصاطب الرخامية المتراصة بإحدى الحدائق المشهورة بمدينتها.

حاولت عبثاً إلهاء طوفان الأفكار بداخلها، وإحساس صادق بأنه يحاول بدوره بذل جهدا واضحا لاخفاء أمر تعلمه جيدا، أمراً لا يحدث غيره معها .

يفصلها عن تأمل حاله صوت زميلتها في ورشة الخياطة ، والتي تكبرها بأعوام عديدة :

 مع انك صغيرة وجميلة يابنتي ..

تغمض عيناها للحظة، ثم تتشجع لتنظر الى عينيه الحائرتين ، تسأله: 

ما الذي كنت تتحاشى اخباري به أمس أثناء اتصالك بي؟

يرتفع إحدى حاجبيه مستنكراً، يتنهد، ثم يحاول فتح فاه للإفصاح ، فتقاطعه قائلة : 

مش هينفع ، مش كدة؟!

يحول وجهه عنها، فتضع أطراف راحتها اليمنى أسفل ذقنه وتدير وجهه إليها، تكمل:

حتى لو كانت آخر مرة نشوف بعض فيها ، ماينفعش نتعامل زي الاغراب..

تشجع ، وبدأ كلامه بحديث ملَّت من سماعه لسنوات طُوال على لسان غيره وغيره وغيره، ما اختلف كل مرة أن الزمن كان يأتيها بنسخة لذات الرجل ولكن في عمر أصغر .

وحالما ينتهي اللقاء ، تجد في نفسها القوة على العودة بخفة إلى منزلها ، تعد وجبتها المفضلة بحب حرمتها منه الحياة منذ أن بلغت الثامنة عشر عاما ، وحتى إتمامها اليوم عمرها السادس والثلاثين.

الكلمات المفتاحية

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التعليقات

ضعي تعليقَكِ هنا

التقيمات

عاجل

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;