"ياخراشي" نداء الكرب الذي كان يردده الشعب المصري في وقت المحن والشدائد والأزمات نسبة للإمام "الخراشي ابن محمد بن عبدالله بن علي الخراشي" أول "شيخ للأزهر" الذي عُرف عنه وقوفه ضد الظلم وضد جور وعسف ألحكام وجشع التجار فكان سنداً وعوناً وكهفاً وملاذاً للشعب المصري فكان يهابه الحكام وينصاعون لحكمه فظلت تهواه أفئدة الشعب المصري ومازال ماثلاً في ذاكرة العقل الجمعي الشعبي المصري كنموذجٍ ونبراسٍ للعدالة وصوتً للمستضعفين.
ومازال صدي صوت هذه الإستغاثة يتردد في أذهان العامة والبسطاء إلي الآن دون أن يدروا بصوره أوبأخري دلالة علي لجوء الناس عندما تلم بهم ملمة أونازلة إلي "الأزهر الشريف" وإمامه.
ولد الإمام "الخراشي" عام(1010)هـ، ( 1601)م بمحافظة البحيرة مركز شبراخيت وتحديداً بقرية "أبوخراش" التي نُسب إليها وقبل أن يُتم العاشرةَ أتم حفظ القرآن الكريم كماتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب وهوفي سن العاشرة شد الرحال إلي الأزهر الشريف حيث تلقي العلوم الدينية والدنيوية.
تتلمذ علي يد كوكبة من علماءِ عصره علي رأسهم والده الشيخ العلامة جمال الدين عبدالله بن علي الخراشي، والشيخ الأجهوري، والشيخ إبراهيم اللقاني، والشيخ الشامي وغيرهم من علماء عصره.
كانت مصر ترزح تحت وطأة الحكم العثماني غارقة في الجهل والفقر والمرض والتخلف والخرافات ولم يكن فيهاإلابصيصًٌ من نور وعلم الأزهر الشريف وكان الأزهرٌ وقتها تابعاً للحكام والأمراء ولماتشعبت مهامه وزاد عدد طلابه قررالسلطان العثماني سليمان القانوني اختيار شيخٍ للأزهر يتفرغ للإشرافِ علي شئونه الدينية والدنيوية والإدارية إلي هنا والأمرُ منطقيُ ومقبولُ لكن اللافت للنظر هوعملية اختيار شيخ الأزهر التي كانت تُتم بطريقةٍ ديمقراطية غريبة علي هذا العصر وعلي الدولة العثمانية وبعيدة عن تدخل الدولة العليا مما يدل علي قوة ومكانة الأزهرالشريف وتوقير علمائه حيث يجتمع كبار العلماء ويختارون واحداً منهم بصورة أقرب إلي المُجمع الإنتخابي في العصر الحديث ويبلغون "ديوان أفندي" سكرتير عام ديوان القاهرة ويقومون بإبلاغ "الوالي العثماني" كما يقومون بإخطار"شيخ البلد" كبير الأمراءالمماليك بمن وقع عليه إجماع العلماء.
وقع اختيار العلماء علي الإمام الخراشي لينصب كأول شيخٍ للأزهر بصورة رسمية وهو في الثمانين من عمره بفرمانٍ من السلطان العثماني سليمان القانوني.
أُقيمت للإمام مراسم تنصيب واحتفالية مهيبة حيث قام الوالي العثماني بتقليد شيخ الأزهر الرداء الرسمي الذي يسمي (الفروسمور) وبحكم مشيخة الإمام "الخراشي" للأزهر يصبح عضواً في الديوان الكبير بالقاهرة الذي كان يتبع الوالي العثماني مباشرة.
وفدَ إليه الطلاب والعلماء علي حدٍ سواء من مشارقِ العالم الإسلامي ومغاربه بعد أن ذاعت شهرته في العلم والزهد والتصوف والتقوي ووقوفه في وجه ظلم الحكام لينهلوا من علمه ويتتلمذوا علي يديه من اليمن والمغرب وأواسط أفريقيا حتى نيجيريا ومن بلاد الشام والجزيرة العربية ولما لا؟ فهو إمام
الأمةومجددها وفارسها الأول ومرجعها الرسمي المعتمد في المذهب المالكي.
ومن علامات زهده أن النذور كانت تأتي إليه من كل حدبٍ وصوب فيوزعها جميعاً علي الفقراء والمُعدمين ولا يستبقي منها لنفسه شيئاً ومنذ أن حلَ إلي القاهرة والتحق بالجامع الأزهر ظل محافظاً علي صلاة الفجر فيه جماعة ولم يتخلف عنها أبداً حتي وفاته.
ورغم كثرة مشاغله الدينية والدنيوية وتدريس العلم وتعليمه علاوة علي الوعظ والإرشاد والإفتاء وقضاء حوائج الناس وحل منازعاتهم وقضاياهم لم ينشغل عن تأليف الكتب بل ترك لنا مكتبة كبيرة وثروة ذاخرة من المؤلفات العظيمة في العلوم الدينية والدنيويةواللغوية منها علي سبيل المثال لا الحصر.
رسالة في البسملة، وهي مؤلَّفة من أربعين كراسة، في شرح قوله سبحانه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1]
فتح الجليل في الفقه المالكي.
الشرح الكبير في الفقه، وهو مختصر خليل في ثمانية مجلدات.
الشرح الصغير للمختصر الكبير نفسه في أربعة مجلدات.
حاشية على شرح الشيخ علي للعالم إيساغوجي في المنطق.
منتهي الرغبة في حل ألفاظ النخبة.
الفرائد السنية في حل ألفاظ السنوسية، في التوحيد.
الأنوار القدسية في الفرائد الخراشية في التوحيد أيضًا.
أشهر تلامذته.
تخرج علي يد الإمام الخراشي علماء
كثر من أشهرهم بعضُ شيوخ الأزهر "كالشيخ القليني، والشيخ إبراهيم بن موسي الفيومي الذي كان يُعد بمثابة المعيد للإمام الخراشي يُلخص ويُوضح ماغمض من شروح الإمام الخراشي وغيرهما".
قال عنه الجبرتي هو "الإمام العلامة والحبر الفهامة وشيخ الإسلام والمسلمين ووارثُ علوم سيد المرسلين".
ظل الإمامُ الخراشي طيلة حياته التي تجاوزت التسعين بقليلٍ يؤدي دوره الديني والعلمي علي أكمل وجه كما ظل يكافحُ ظلم الحكام والأمراء حتي وافته.
المنية صبيحة يوم الأحد السابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة إحدي ومائة وألفٍ من الهجرة(1101)هـ
الموافق (1690)م وشيعه الناسُ في جنازةٍ مهيبةٍ لم تشهدها القاهرة من قبل ودفن بجوار والده بمقابر المجاورين.
ليظلَ الإمام الخراشي سراجاً منيراً بعلمه وتقواه وزهده وتقشفه محفوراً في أذهان العامة والبسطاء بمواقفه الشجاعة الجريئة التي لم يخش فيها لومة لائم ولاعقاب حاكم فلم يخش الاالله لتحقيق حلم العدالة الغائب فظل في قلوب الشعب المصري وصار عنواناً ومثلاً لإغاثةَ الملهوفين ونصرةَ
المستضعفين.
رحمك الله ياإمام الأئمة يامن قال فيك وفي أمثالك سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين في كتابه العزيز.
"مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا".