عاد الهدوء إلى صعيد مصر وتم طرد الهكسوس منها
قدموا المديح لسيدة البلاد وسيدة جزر بحر إيجة فاسمها رفيع الشأن في كل بلد أجنبي فهي التي تضع الخطة للجماهير... زوج الملك وأخته الملكية لها الحياة والسعادة والصحة... وهي أخت ملك وأم ملك... الفاخرة والحاذقة التي تهتم وتضطلع بشئون مصر ولقد جمعت جيشها وحمت هؤلاء فأعادت الهاربين وجمعت شتات الذين هاجروا وهدأت روع الوجه القبلي وأخضعت عصاته... الزوجة الملكية إياح حتب العائشة.
تلك كانت بعض كلمات الثناء والمديح التي قيلت للملكة (إياح حتب الأولى) على إنجازها العظيم وعطائها النفيس لمصر. هي ابنة الملك(تاعا الأول) والملكة (تي تي شيري) وزوجة الملك (سقنن رع) الذي توفي خلال حرب التحرير ضد الهكسوس.
في الحقيقة لو كان لـ "مصر القديمة" أن تختار عيدًا سنويًا للاحتفال فيه بيوم استقلالها الوطني لكان هذا اليوم هو أفضل الاختيارات، اليوم الذي انتصرت به البطلة الملكة (إياح حتب) على الهكسوس عند نهايات الأسرة الـ 17 بوجود ابنها القائد العظيم الملك (إحموس) على رأس الجيوش المصرية المحاربة.
جاء الهكسوس إلى مصر قبل حوالي ثلاثة آلاف وثمانمائة عام وهم قبائل رعوية بدوية من أصول مختلفة انتقلوا من العراق للشام ثم إلى مصر فدخلوها من الشمال الشرقي في فترة ضعف خلال نهاية حكم الدولة الوسطى تقريبًا في نهاية حكم الأسرة الرابعة عشر لم يتفق خبراء التاريخ على أصلهم ولكن الراجح أنهم أصحاب أصول أسيوية متعددة ومنهم من كان سامي الأصل كما يتضح من أسماء بعض ملوكهم وآلهتهم استقر الهكسوس في دلتا النيل وحتى مصر الوسطى وأحكموا سيطرتهم وفرضوا نفوذهم على تلك المناطق بالقوة كسلطة احتلال صريح عرفهم مانيتون بكون جنسهم كان يعرف في مجموعة بالهكسوس فيما عرفهم المصريون قبل مانيتون باعتبارهم حقاو خاسوت أي حكام البراري استمر احتلال الهكسوس لمصر حوالي من مائة لمائتي عام ولم تكن إقامتهم فيها هادئة بل قوبلت بكثير من الثورات والمقاومة من الشعب المصري لم تضف فترة احتلال الهكسوس إلى التاريخ المصري شيئًا يذكر بل كانت فترة سلب ونهب وتخريب فلم يضيفوا لمصر سوى بعض من التكنولوجيا الحربية التي كانت تستعملها الشعوب السامية من عربات تجرها الخيول والأقواس المركبة والفئوس الخارقة والسيوف المنحنية.
ومع سيطرة تلك القبائل الرعوية على مناطق مصر السفلى والوسطى وتأسيس عاصمتهم في الدلتا على الفرع التانيسي القديم للنيل في مدينة حه وعرة صان الحجر حاليًا والتي عرفت في اليونانية باسم أواريس أو أفاريس أقام ملوك الهكسوس علاقات دبلوماسية وتجارية طيبة مع ملوك النوبة في كوش جنوبي مصر ليتم لهم محاصرة أي محاولة للثورة تبدأ في مصر العليا من قبل حكام الأسرة السابعة عشر في طيبة خاصة بعد محاولة كل من الملك المصري سنيب كاي مؤسس الأسرة السادسة عشر في أبيدوس سوهاج حاليًا الذي يرجح أنه قد استشهد في حربه ضد الهكسوس حوالي سنة 1780 ق.م ثم الملك سقنن رع من ملوك الأسرة السابعة عشر في طيبة والذي استشهد حوالي 1555 ق.م ومن وراءه استشهد ابنه الملك كامس حوالي 1550 ق.م فكان من المنطقي أن يحاصر ملوك الهكسوس محاولات الثورة في مصر العليا من خلال إقامة علاقات طيبة مع مملكة النوبة وقتها.
خلال تلك الفترة بزغ نجم مليكتنا العظيمة إياح حتب التي قدمت زوجها سقنن رع وابنها الأكبر كامس فداء لتحرير مصر من قبضة الملوك الرعاة في الدلتا وتوحيدها إياح حتب هي ابنة الملكة تي تي شيري التي كانت في الأصل فلاحة من عامة الشعب والتي ربت أولادها من الملك سنخت أن رع على مقاومة ومحاربة الغزاة هكذا كانت نشأة إياح حتب نشأة تقوم على الفداء بكل نفيس وغال من أجل تحرير الوطن.
بعد استشهاد كل من زوجها وابنها الأكبر في حرب التحرير آلت مقاليد الحكم إلى غياح حتب كونها وصية على ابنها الأصغر إياح موسيس أو إحموس كما هو النطق الشائع لاسمه وبالتالي كانت هي من يدير الحكم سياسيًا وعسكريًا في البلاد خلال تلك الفترة ويدل نقش في معبد الكرنك يرجع لعصر الملك إحموس الأول نفسه يمجد فيه أعمال أمه الملكة إياح حتب باعتبار أنها هي من أخضعت الهاربين وضمتهم تحت لواء الجيش المصري وقد كانت تلك الملكة تمتلك بالفعل فكرًا عسكريًا وسياسيًا بعيد المدى كما تدل الأوسمة والنياشين العسكرية التي وجدت في تابوتها والتي هي مطابقة لما وجد من نياشين في تابوت زوجها سقنن رع تاعا الثاني ما يعطي احتمالية قوية لكونها قادت الجيش المصري بنفسها في معارك حربية لتأمين الحدود الجنوبية والتي كانت معرضة لتهديد من مملكة كوش النوبية في اتجاه الجنوب من حدود طيبة وهذا الاحتمال يرجحه القبض على جاسوس من الشمال خلال عهد الملك كامس إذ كان هذا الجاسوس في طريقه لملاقاة ملك كوش حاملًا له رسالة من حاكم الهكسوس ليحددا موعد هجوم جيش مملكة كوش على الحدود الجنوبية لمصر ليكون متزامنًا مع هجوم ملك الهكسوس على جيش الملك كامس وقتها.
كما أن وصايتها على الملك الصغير إحموس الذي لم يكن قد تجاوز عامه العاشر وقت استشهاد أخيه الأكبر الملك كامس يدل على كونها كانت بالفعل ملكة تمتلك عقلية سياسية وعسكرية متطورة إذ لم يطل العمر بكل من سقنن رع وكامس ليدربا الملك الصغير إحموس على فنون السياسة والحرب وبالتالي فمن تولته بالرعاية والتربية السياسية والعسكرية كانت الملكة إياح حتب نفسها جاعلة منه أحد أعظم القادة العسكريين ممن أسسوا نمطًا جديدًا للاستراتيجيات العسكرية مذكرًا إيانا بالأسطورة المصرية القديمة عن حورس الذي ربته كل من حتحور ونفتيس وعلمتاه فنون القتال ليحارب عمه ست الذي اغتصب عرش أبيه الملك أوزير.
لم تكن إياح حتب لتتوارى في الظل بعد اعتلاء الملك إحموس الأول للعرش وخلال حربه لتحرير الأرض من الحكام الرعاة الـ حقاو خاسوت فيرجح أنها كانت أحد أهم مستشاري الملك العسكريين فمسألة تطوير أسلحة الجيش المصري خلال تلك الفترة من أقواس جديدة مركبة مصنوعة من طبقات من الخشب والقرون ومن أوتار شديدة وأيضًا استخدام العربات التي تجرها الخيول في الحرب العجلات الحربية لم تكن تلك الأفكار لترد على بال الملك الشاب من فراغ وهو لازال ابن التسعة عشر ربيعًا دون ترتيب ودراسة لأخطاء من سبقه من ملوك وعليه فالأرجح أن إياح حتب كانت المؤسس الحقيقي وراء تفكير إحموس السياسي والعسكري وهو التأسيس الذي أثمر التطور الفكري لـ إحموس الذي قام بعد ذلك بتطوير الفنون العسكرية المصرية وتطوير الفكر الاستراتيجي للدفاع عن البلاد.
قام إحموس في نهاية المطاف بأخذ مكانة في ساحة المعركة ولاحق الهكسوس عبر الصحراء وطردهم من مصر وأصبح إحموس أول حاكم لمصر بعد إعادة توحيدها وإعلان المملكة الجديدة ولكن بعد أن أتم إحموس طرد الـ حقاو خاسوت الهكسوس من كل ربوع مصر وإزالته لآثار حكمهم البغيض حدث أن عادوا وهددوا الحدود الشمالية الشرقية من خلال حصنهم شاروهين الكائن بفلسطين ولم يكن إحموس ليغامر بترك أية فرصة للأعداء ليعيدوا محاولة احتلال البلاد مرة أخرى فقام بمحاصرة حصنهم هذا وهزيمتهم مرة أخرى في 1580 ق.م وقام بضم تلك البقاع أجزاء من فلسطين للحكم المصري وبالتالي تحول النمط الاستراتيجي للعسكرية المصرية لتأمين الحدود بأن يكون من خلال نقاط عسكرية خارج حدود مصر وليس من داخل الحدود حتى لا تؤدي هزيمته في أية معركة إلى فقدانه جزءًا عزيزًا من ارض الوطن.
إحموس لم يكن ليستطيع فعل ما فعله من تحرير وتوحيد للوطن دون والدته إياح حتب التي قامت بدور رائد في الحرب وأيضًا في إعداد إحموس عسكريًا وسياسيًا للقيام بواجباته واعترافًا بجهودها تم تقليدها قلادة الذبابة الذهبية وهي أعلى وسام عسكري مصري في ذلك الوقت وكان يتم منحه اعترافًا بالشجاعة والحكمة وحسن التخطيط في ساحة المعركة.
أخيرًا وفي الختام نقول أن إحموس قاهر الهكسوس ملك مصر وقائد جيوشها المظفرة كان بالطبع عبقرية سياسية وعسكرية فذة حفرت اسمها عميقًا في الوجدان المصري قبل أن تحفره في تاريخ مصر والعالم ولكن وحتى تعتدل كفة الميزان يجب أن نعترف بفضل الملكة الأم إياح حتب التي قامت بتنشئة ابن صالح بار بوطنه مخلصًا له بروحه وقائدًا عسكريًا فذًا لا يشق له غبار وسياسيًا محنكًا وقبل أن تفعل ذلك قادت مصر عسكريًا وسياسيًا أثناء ولايتها على عرش ابنها إحموس في طفولته ووحدت مصر وقادت جيوشها بنفسها في معاركه الطاحنة ضد أعداء البلاد وكان لها الفضل الأكبر في تحرير وتوحيد البلاد لهذا استحقت الملكة العظيمة إياح حتب كل حفاوة المصريين وحبهم الجياش لها لفضلها الكبير على بلادهم العظيمة مصر وبقي أن نقول معلومة لها دلالتها العظيمة في هذا السياق وهي أن العبارة الشهيرة التي لا زلنا نرددها حتى اليوم وحوي يا وحوي إياحا قد قالها المصريون القدماء للمرة الأولى عند استقبالهم لملكتهم المظفرة إياح حتب أم ملكهم المنتصر إحموس وكانت العبارة الأصلية تقال بالفرعونية واح واح إياح... واح واح إياح ومعنى العبارة تعيش تعيش إياح كانت العبارة للتهليل والاحتفاء وتعبر عن فرحة المصريين الغامرة عند استقبال ملكتهم المحبوبة التي أنقذت الوطن والآن صارت العبارة للتهليل والاحتفاء والتعبير عن الفرحة الغامرة باستقبال الشهر المبارك شهر رمضان المعظم إذًا فهكذا يخلد الوجدان المصري ذكرى عظمائه من خلال عبارات وذكريات عابرة للزمان تعيش معه للأبد.