تعديل النظام الانتخابي.. الخطوة الأولى نحو إصلاح الحياة السياسية

تعديل النظام الانتخابي.. الخطوة الأولى نحو إصلاح الحياة السياسية

إن أولى خطوات الإصلاح الحقيقي تبدأ من تعديل النظام الانتخابي القائم على القوائم المغلقة، الذي أثبت فشله في تحقيق العدالة والتمثيل الشعبي السليم. لقد أدى هذا النظام إلى تغييب الإرادة الحقيقية للناخبين، وسمح بتمرير أشخاص لا علاقة لهم بالمواطنين، مما جعل العملية الانتخابية ساحة للمجاملات والمحاصصة بدلًا من الكفاءة والمنافسة العادلة.

 

إن النظام القائم بصورته الحالية أصبح أداة لتقييد المشاركة السياسية بدلاً من توسيعها، وأدى إلى احتكار القرار داخل نطاقات ضيقة، تُدار بعيدًا عن نبض الشارع واحتياجاته الفعلية. ولذلك، فإن إعادة النظر في هذا النظام وإصلاحه هو مدخل أساسي لإعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات السياسية، وضمان أن يكون البرلمان القادم ممثلًا حقيقيًا للشعب لا للصفقات والمصالح الخاصة.

 

لقد طالبنا مرارًا بوقف التدخلات الممنهجة في الحياة السياسية، تلك التي تتعمد إضعافها وإفشالها من خلال سوء الاختيار وتقديم شخصيات تفتقر إلى الكفاءة والانتماء. إن مثل هذه الممارسات لا تضر فقط بمصداقية العمل السياسي، بل تفتح الباب أمام الفتن والانقسامات، وتفقد المواطنين ثقتهم في جدوى المشاركة العامة.

 

ولا أستثني أي حزب من تلك الممارسات، فالكل قد أسهم، بدرجات متفاوتة، في ترسيخ هذا الفشل. فمنهم من بالغ في إدراج أسماء لا تاريخ لها ولا وجود فعلي في الساحة السياسية، مجرد أرقام تُحسب ماليًا لا وطنيًا أو شعبيًا، ومنهم من جامل على حساب الكفاءات والكوادر الحقيقية، مما عمّق الشعور بالإحباط وفقدان العدالة داخل الأحزاب نفسها.

 

إن ما شهدناه من ترشيحات تفتقر إلى التوازن والموضوعية هو نتاج مباشر لهذا النظام الفاسد في جوهره، الذي جعل المال معيارًا، والمجاملة طريقًا، وأقصى أبناء الدوائر الذين عملوا بجد لخدمة مجتمعاتهم وأحزابهم.

 

وعليه، لا بد من محاسبة كل من تسبّب أو تغاضى عن هذا العبث بالحياة السياسية، سواء كان مسؤولًا مباشرًا أو طرفًا صامتًا. فالمساءلة ليست ترفًا سياسيًا، بل واجب وطني لحماية مستقبل الدولة وضمان نزاهة العملية الديمقراطية.

 

لقد كنت أود أن أقول إن الحل يكمن في التفاف الشعب حول من يراه أهلًا لتمثيله، ولكن للأسف، أصبحت الأساليب مكشوفة. فاستغلال احتياج المواطنين وتوجيههم بحفنة من الأموال — 300 أو 500 جنيه — أصبح وسيلة رخيصة لتزييف الإرادة الشعبية، واستغلالًا لمعاناة الفقراء في معركة يفترض أن تكون شريفة.

 

إن استمرار هذا النهج لن يؤدي إلا إلى تآكل ما تبقى من الثقة في السياسة، وإلى انهيار القيم التي تقوم عليها المشاركة الوطنية. لذلك، فإن تعديل النظام الانتخابي وإرساء قواعد عادلة وشفافة هو نقطة البداية لإحياء الحياة السياسية، وإعادتها إلى مسارها الطبيعي، حيث يكون الاختيار للشعب، والموقع لمن يستحقه حقًا.

 

نداء وطني

 

لقد آن الأوان أن نضع حدًا لهذا العبث وأن نعيد الحياة السياسية إلى مسارها الصحيح. فالإصلاح لم يعد خيارًا مؤجلًا، بل أصبح ضرورة وطنية عاجلة.

إن إنقاذ السياسة هو إنقاذ للوطن، وإعادة الثقة بين المواطن ومؤسساته هي الخطوة الأولى نحو بناء مستقبل يقوم على المشاركة الحقيقية لا التزييف، وعلى الكفاءة لا المجاملة، وعلى الإرادة الحرة لا المال والنفوذ.

فلتكن البداية من هنا: إصلاح النظام الانتخابي… قبل أن تضيع إرادة الأمة في صمت

الكلمات المفتاحية

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التعليقات

ضعي تعليقَكِ هنا

التقيمات

راديو القمة

radio

فيس بوك

a
;