أُمُّ الشهيد نعي العزّ الفقيد*

أُمُّ الشهيد نعي العزّ الفقيد*


يحكى ان احد الشيوخ والوجهاء في البصرة ، الذي يحترمه المجتمع ويجله ، وفي أحد الأيام ، في مقهى مملوء بالناس ، خرج منه للشارع حين رأى حماراً يجر بعربته ، فوقف أمام الحمار وانحنى له معتذرا ومتأسفاً ثم قبله ، والناس في ذهول لكنه عاد وخاطبه مرةً ثانيةً بصوتٍ مرتفعٍ : آسف جداً وأعتذر منك واطلب أن تقبل أعتذاري ، إنني شاركتك أكلك وبمشاركتي اياي علفك قد يقل عندك بمنفاستي ، أعتذرُ إن اكلتُ الشعير خبزا معك ! اعتذر ! أعتذر .. ثم قبل الحمار وانصرف لبيته ! بينما فهموا أهل البصرة المقصود حين ارسلت الدولة طحين الشعير للبصرة في زمن الملكية ، سمع الملك حينها وارسل لهم اجود الحنطة الاسترالية لاهالي البصرة ... مع تقديم الاعتذار للشيخ ولاهالي البصرة ...
اليوم في البصرة ، كذلك قصة أغرب منها ، خرجت من قلب وصدر يلوج بالاسى ويتألم ذلاً وجوعاً وحسرةً ، أم شهيد ظهرت بلقاء على قناة حرة عراق ، تعيل ابناء ابنها وزوجته وتحكي حكاية المرض والعوّز والذل بعد فقدان ابنها وهي تعتاش على تجميع الصفائح من الطمر الصحي ( الزبالة) لتسد حاجاتها التي كانت في زمن ابنها يضرب عليها غطاء الخدر والعزة ، فأعطى روحه فداء للوطن كي ينعم ابناء البلد وتأمن جميع العوائل ويلبس ابن المسؤول حذاءه الايطالي والقميص الحرير ويلبس البرلمانيون والحكومة اجمل وأغلى بدلة ويقيمون الحفلات ويديمون الموائد ويلهون بالصوائد ، ويلهون بالليل ليناموا في الصباح ، بينما أم الشهيد مع انبثاق الفجر تقيم الصلاة وترسل الفاتحة الملفوفة بدموع وحسرة ثم تتسابق مع البائسين من امثالها لتجمع ( قناني الببسي والراني ... ) لتعود حين تودع الشمس الارض لاطفال زغب الحواصل لاماء يسقيهم ولا ورق شجر يؤويهم ، يلذون جوعا وتطوى بطوهم غرثاً ، وكأن عطاء ابيهم صار عليهم سبة ، ليس لهم في الوطن شيء غير الهواء ، الذي بات عصياً على الساسة والاحزاب والمنظمات والتنظيمات، والحكومة التي ليس لها همَّ غير بيع النفط وجمع الضرائب ، والفساد الذي يلبسه الموظفون لباس التقاة، اليس هذه المرأة اوجه من ذلك الشيخ الذي لم يقدم لوطنه فلذة كبده ؟ اليس احق بصوتها ان يصل ؟ بل حقا على الدولة حين يستشهد المقاتل ان تبادر باكرام امه !؟ لاتحتاج الى كثير بل هوية تبرز بها انها أم لشهيد عندما ينسى الطبيب انها قدمت اثمن من عيادته والموظف افضل من مكتبه والتاجر اغلى من سلعته ، هوية فيها تعريف ان حسابها على الدولة بتوقيع منها انها عالجت هنا او راجعت هناك او اشترت في هذا المتجر ، اليس من حقها هذا، دعنا اليوم كلنا نتصور ان هذه الأُمّ هي أُمّنا ، وكلنا نتصور ان ابنها نحن ! فهل نقبل ان تذل بهذه الطريقة ؟ هل تقبل ايها البرلماني او انت ايها الرئيس أُمّك تكون هكذا ، اليس هذه أكرم من أمك التي قدمت للوطن ؟ أليس من حقها ان يعطيها الوطن جزاء ما أعطته ؟ وأن يسلب الوطن ثوبك الذي ترتديه لأنك لم تقدم له ؟ انها شامخة بعلوها فانها من عرق جبينها تأكل ، لكن يجب ان تأكل مايأكله الاسود وليس الضباع ! توول وتنادي ابنها وتندب حظها بان الميت لايعود ، واليأس والاسى يشق عليها شقين ، فراق ابنها وذلها من بعده ! انها صورة توضح لنا ان العاملين في الدولة والقائمين بها ليسوا اسلاما ممن ادعوا انهم يقودون احزاب اسلامية ، وانهم ليسوا بوطنيين من ادعوا الوطنية باحزاب علمانية او وطنية او ديمقراطية ، دمعتها فضحت كل اساطين السياسة الذين اهتموا بامتيازاتهم ، وملذاتهم ، ولو كانو على حق لجعلوا ام الشهيد نبراسا بالاحترام في الاولوية في كل شيء ، الام التي بعد لاتنجب ولا تجد عوضا لابنها ابدا ، الام التي عاشت معه من اول لحظة في الوجود وناغته طفلا وربته شابا وهي تخاف عليه من حر الصيف وبرد الشتاء قلبها ينبض به ودمه يجري بعروقها حبا وشوقا وحنانا تعطيه شهيدا كي ينعم الجبان وينام بأمان ، ليضع ابنه في افضل المدارس ، وأرقى الملابس ، بل فيهم من ظهر يتفاخر بأن ابنه صرف اربعة ملايين فاتورة تلفون ، هكذا هي الحياة تكشف لنا طرفي نقيض بين الترف والشظف نقيضان يعيشهما من لايستحقهما ، كل على نقيض ، معادلة جائرة ، وقسمة ضيزى، حقاً علينا ان نذرف الدموع معك وانت تبكين ، حقا علينا ان نلملم جراحك تحت قلبك النابض ، وحقا عليك ان تفهمي ان الحمار الذي قبله الشيخ صار مسؤولا ، واخذ طعام البشر ، لايفهم الدموع ولايعي الانين ، وحقا عليك ان تفهمي ان السواد الذي تلبسينه سؤددا ، واتقى من بياض ظاهره ناطع وباطنه ظلام ، ودمعتك أغلى من رؤوس اصبحوا رؤساء وهي تحت اقدام ابنك سعداء

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;