اللغة العربية في الصومال تواجه تحديات جمة وعقبات كثيرة قد تزيحها عن مكانها الطبيعي في الخارطة اللغوية الصومالية إذا استمر الوضع على ماهو عليه الآن من الضعف والوهن وعدم وجود جهة رسمية تهتم بها في ظل الدول والشعوب المتدفقة على الصومال لنشر لغتها وثقافتها أو أيديولجيتها ومذاهبها الدينية، ومن الممكن أن تفقد اللغة العربية موقعها المتميز ومكانها الرائد في نفوس الصوماليين الذي حفظوا اللغة العربية وحفظتهم طيلة وجود العنصر الصومالي في القرن الإفريقي، وكانت اللغة الأولى إلى جانب الصومالية دائما في التواصل والتخاطب وتوثيق العهود والعقود وصيانة التاريخ والتراث وبثّ روح الوطنية والحماسة في قلوب الشعب لكونها مخزونا دينيا وثقافيا حوت أدب المقاومة الصومالية ضد الاستعمار الأوروبي والأفريقي منذ أن استنجدت الحبشة ملوك البرتغال في القرن السادس عشر الميلادي، وما تبعها من التدفق الأوروبي المسيحي إلى السواحل الشرقية لأفريقيا الذي كان موطنا للصوماليين منذ آلاف السنين.
وبعد مجئ الاستعمار الأوروبي الرباعي (البرتغال، الإنجليز، إيطاليا، فرنسا) إلى الأراضي التاريخية للقومية الصومالية (الصومالي الكبير) بدأ بمحاربة اللغة العربية وحاول إبعادها عن السياسة والثقافة والتأثير والساحة الصومالية مدركا بأنها ترتبط بالمعتقدات والمقدسات وأنها الوقود الأساسي لهذا الشعب لكونها لغة القرآن والعقيدة، إضافة إلى أن الشعوب العربية كانت السند الحقيقي للصوماليين في نضالهم إلى استعادة المجد والكرامة، ولكن الشعب الصومالي الذي أصبحت اللغة العربية من مكوناته الثقافية والعرقية والتاريخية والدينية لم يقبل هذه المساعي الإمبريالية والغزو الثقافي المشين، بل حارب الاستعمار ودحر المحتل وحفظت اللغة العربية مكانتها الطبيعية مقرونة بالقرآن والإسلام الذي يحمل الصوماليون لواءه في القرن الأفريقي منذ أن تمازجت القوميات والأعراق والأديان في هذه البقعة الملتهبة بسبب الحروب الدينية والبحث عن السيادة، والتنافس الشرس بين الصوماليين ونصارى الحبشة على سيطرت المقدرات وزعامة المنطقة مما أدى إلى الحروب والصراعات التي لاتنتهي، بدءاً من المجاهد البطل أحمد جري (الغازي) الذي وصل إلى ال كسلا السودانية في العقد الثاني من القرن الخامس العشر الميلادي، مرورا بثورة الدروايش على قائدها الرحمة والمغفرة، إلى الحرب الشاملة بين الصومال وإثيوبيا عام1964م و1977م بسبب سيطرة الأخيرة على إقليم أوغادين الصومالي الغني بالتراث والموارد الطبيعية والبشرية.
كانت كتابة اللغة الصومالية بالحرف اللاتيني ضربة موجعة بل مميتة في الحراك الثقافي العربي في الصومال، فقبل كتابة اللغة الصومالية كانت الصحف والمجلات ومعظم المنشورات تصدر باللغة العربية فيما كان الشعب الصومالي عربي اللسان والثقافة، ولكن بعد كتابة اللغة الصومالية بالحرف اللاتيني وابتعاد تيار العروبة عن الساحة الثقافية وانتصار الإرادة الغربية نسبيا بسبب العساكر الذين تأثروا بلغات الإمبريالية والشعارات السوفيتية اللينينية الفارغة وانشغال العرب بشؤنهم الداخلية بعيدا عن الدول والأمم المؤثرة بهم وبواقعهم سياسيا واقتصاديا كالصومال، إضافة إلى ترؤس كاتب بولندي في اللجان الرسمية لكتابة اللغة الصومالية تغير كل شيء! وانجرفنا بعيدا عن اللغة العربية إلى اللغات المهيمنة كالإيطالية والإنجليزية والفرنسية وانحسر تأثيرها في دوائر ضيقة وهامشية.
وبعد انهيار الحكومة الصومالية المركزية انتعشت العربية من جديد وباتت لغة الدراسة والعلم والمعرفة في عموم البلاد طيلة عقدين من الزمن كانت الصومال غارقة بالحروب والصراعات فتصدرت سياسيا وإداريا واقتصاديا وتربعت على عرش اللغات كتابة وتأليفا. والآن وبعد هيمنة مجموعة من المغتربين ولدوا أو ترعروا أو عاشوا وشربوا الثقافة الغربية من مناهلها بعد الحروب الأهلية، إضافة إلى الضعف العربي العام وعدم اهتمامه بالأطراف بدأت موجة أخرى من إبعاد اللغة العربية في الدوائر الرسمية فعليا وإن بقيت مظهريا وكثر التململ وتتعالى الأصوات المنادية بإلغاء اللغة العربية من مكانها الطبيعي دستوريا وإن كان صوتهم ضعيفا يخاف من ردة الفعل الشعبي.
ولكن الثقافة العربية ولغة القرآن التي ترسخت في الأذهان وامتزجت بالمبادئ والتوجهات والأعراف والوجدان الصومالي منذ أن وصل الإسلام إلى السواحل الصومالية قبل أن يصل إلى معظم الجزيرة العربية ستكون باقية بإذن الله، وكما كانت موجودة في الماضي بسبب العلماء والمفكرين وعبر الطرق الصوفية وأصحاب الزوايا والمدارس والمعاهد الدينية المنتشرة في كل ربوع الصومال ستكون موجودة بسبب كوكبة من ألمع مثقفي الصومال يحملون همّ هذه اللغة وأصبحوا يتصدرون في كل المجالس والمراكز مما جعل اللغة العربية تتبوأ مكانة عالية في المجتمع الصومالي من جديد رغم حملات التشويه والازدراء بعد أن أصبحت العرب أضحوكة العالم بسبب مواقفهم وتناحرهم وصراعاتهم العبثية واستبدادهم وتخلفهم في شتى المجالات رغم أنهم يملكون كل مقومات الحضارة والزعامة والاقتصاد والتاريخ والتصدر في المجالس والمنظمات العالمية.