ديوان (أشياء) عبير الشباب وفرحة كهول الأدب

ديوان (أشياء) عبير الشباب وفرحة كهول الأدب

حين يكسر الزمن ، وتتعلق مطارح الخوف في تكوين الشجون الى اطراف السمر والظهور ، نجد انهم شباب بزغت الشمس من اطراف اناملهم ، كسروا طوق الكبار وحصار الكلمة وفولاذ العجز ، باصدار ديون ( اشياء ) ولعله اعتنى باشياء اكثر مما سجل ، فظهوره بهذا العمر اعجاز في عصر تحلحل فيه العُقد الى عُقد اخرى ، ومجتمع لايحب التسامح بقدر خوفهم من التنافس ، ربما لانهم مثلوا من ماتت احلامهم ، في زمن القهر ، وهم يكسرون اقلامهم خوفا من نظام ، او هلعا من تقليد ، او حصار من مال ، فيه صراع لقمة العيش السائدة ، والكلمة ضاعت في ازدحام الصراع حولها ، وضنك المعيشة ، والقسمة الضيزى التي اكلت من كف الميزان ترابا واكل من طرفه الثاني الذهب ، في هذا وذاك كان ( اشياء ) ليس بارقة امل وحسب لمن كتبوا فيه سطور اليتم والألم وضياع الفكر والتشتت والخوف ، بل فرحة اكتسبت كل الادباء الذين خط الشيب مزارع وجوههم ولم تصل ما خطت اناملهم الى الطباعة !؟
الديوان تكوّن من ١٠ شعراء ، كان الشعر خطاهم الاولى كطباعة ... لان من قراءة الديوان كانت تلك القصائد الشعرية اكتسبت بانزياحاتها خاصية الشعر واخذ الايقاع في تركيبه المتعنت نزوحه الى قصيدة الشعر النثرية اكثر استيطانا ، ولاح في تنظيمه الهجائي روعة اشارت فيه الى قلقلة المجتمع وتخبطه ، ودليلا على زمن مشت الناس في تركيب الفضاء الخارجي والابتعاد عن الجوهر ، لذا كان عزلا بين الجنسين بدأ بالذكور وراح تسلسل حروفه ان يميط اللثام عن ست اناث ، خصبت كلماتهن اثر الربوبية ( الوالدين) منحى اشبع احساسهن بالحياة الجديدة التي تنتظر النضوج والتركيب الذي يسير بمركبها عن امواج كاسرة لاوزان البحور الستة عشر .
اكبر الشعراء زهرة ميثم الركابي عمره ٢٨ ربيعا واصغرهم نرجس عزيز ناظم ١٥ ربيعا ، وما اجمل ذلك الربيع الذي يترواح بين العمرين ليطروحوا ( اشياء) المكتظ بالامل والخوف والامل ، تحت قصائد وعناوين احسن اختيار المتون والمضمون ، بحسن اختيار العنوان ، واليكم الشعراء ومواليدهم وعناوين قصائدهم :
احمدفلاح السعدون /واسط ١٩٩٢ بلايا كالموتى
حسين الرياسي / البصرة ١٩٩٤. تجلايات عابرة
علي القيسي / بغداد ١٩٩٢ البنفسج
عمر ميثم الكناني / بغداد ١٩٩٠ من اين ابدأ 
مريم اسامة الخفاجي /ذي قار ٢٠٠١ / حروف ألون بها
مريم علاء القيسي / بغداد ١٩٩٨ صدى الروح
ملاك قحطان / بغداد ١٩٩٣ رفاة ألم
ميسرة حميد/ بغداد ٢٠٠١ بأقل قدر من الصراخ
نرجس عزيز ناظم / النجف ٢٠٠٣ ذوالقلب النرجسي
نور الهدى حازم /القادسية ٢٠٠٢ الياسمين الذابل 
الديوان اصدار دار ومكتبة Old book في طبعته الأولى وشمسه المشرقة من بغداد لعام ٢٠١٨، باعداد محمد صباح الصائغ الذي عرف الديوان بمقدمة قصرت مسافات الاشياء الى متعة المتابعة بانها اشياء من الروح وبوح الوجدان ، الذي من لم يقرأه بات عليه خفيا ، في ١٠ شعراء وكأن الصفر والواحد وليدان انطلاق مسيرة وشاهدان على كسر طوق الخفاء .
من ابرز ظاهرة هذا الديوان انه لاح العمق فيه بالعين المجردة ، فالكلمة فيها صادقة ، هادئة ، لم يقصد بها الشاعر الالتواء في البحث والتشذيب في طرائق البلاغة المتبعة ، ولم يرسم لانزياحات البنية وخروجها من مقتضاها اللازم الى مقتضى تسرح فيه الاخيلة ، لذا كانت القصائد شعرية بما تعطيه الشعرية من عدول في بلاغة الاولين وانزياح في عصر اخذ فيه المعنى اطار الاستعارة ، وترصيع في متون الايقاع المبتعد عن الخليل واذان حدو البعير في قافلته الموغلة في الرمال
واشترك الجميع فيما يتعلق بالوضوح واختفاء الرمز ، فلربما اختفاءه دال على مدرستهم التي غابت عنا لسنين ، وظهرت بالتجلي (كلما تذكرت اهمالهم لدمعي منعت نفسي عن البكاء) هذه صرخة مريم اسامة الخفاجي ، وان كان حرف الجر غير اطراف المنع فكانت صورة ظاهرة ولاسيما اختزلت طفولتها في القصيدة لانها صورة يتيم ينظر من ابعاد مختلفة ، بين حس واقعه ، وخياله الذي لايراه الجميع ، بقدر تلك السعة رسمت ذلك الطفل (حتى ضحكة الطفل البريء لن تزهر ارواحهم ) فهي ترى ذلك الطفل باوسع من تلك المدارك وتلك العيون الذارفات ، فكانت الشعرية اختزلت منها البنية من معناها الى انزياح اخر وصورة اخرى خرجت من التركيب بين مفردة واخرى الى تشبهيات حولت الجمل الى معاني اكتسبت سعة خارج اطار مضمونها المنطوي في صدق وجمال ، ليس هذا الخيال خص شاعرة دون اخرى او شاعر دون اخر حتى برزت ظاهرة المفردة كما في قول حسين الرياسي ( خيال تخطى حدود الكون) او باشارة كما في قول احمد فلاح السعدون عن احضان امه فاختار في يتمه الاحلام من خيال يسرح فيه باليقظة وحلم يتمتع فيه برؤية وجه امه بالسبات(لا تحزن فلاحلام كثيرة ، ستلتقط حلما خبأه لك الله) او تصريح الحلم مع الخيال كقول علي القيسي (حلمها البعيد جرح لن يندمل ، يستهويها الخيال المفرط)
اشترك الشعراء بايدلوجية بين الجميع ، من دون تخطيط ، وهو تعبير الفقدان والتخبط الذي يزاوله المجتمع في وضعه الحالي ، فهم لم يعاصروا زمن الكبت ، بمعنى الواقع بحد ان حرمان طفولتهم ، ليس من الاباء او الامهات في مواقع بعضهم من اليتم ، بل ان حرمانهم في طفولتهم بزمن الشظف والقهر والحرمان ، وحين تعدها تعدى ذلك الحرمان بسقوط الجبروت ، وخروج كل مطلبات الطفولة من بواطن الارض ، ومع بداية البلوغ ذهب الامان وصار الجميع مسيحا يصلب ، ويضرب بالحجارة بعدما كانوا الجميع ينتظرون منه النظرة التي تشفي من الجنون او البرص او العمى ، فكانت تلك الازدواجية في المجتمع التي ظهرت وظهر معه شبح الحرب والموت وعبادة الذات وتمثيل الالهة ، كأن عصر بابل او الاغريق هنا حيث تتقاتل الالهة معا بظلها مع البشر، فكان مدن الاشباح كقول ميسرة حميد ( سنموت كثيرا قبل ان ندفن ، وسنمر بالطرقات القديمة ونحن لانشبه انفسنا) و كقول مريم علاء القيسي (خدعت كوطني ، كنت اظنه ذلك الامان الذي انتشلني من وجعي ) لعله عالمهم الذي لامناص منه كما عبر عنه عمر ميثم الكناني(اريد الهروب من هذا العالم هل يوجد أحد يقول لي من أين المفر؟ ) ليس ذلك مغلق عليهم فهم كذلك اشتركوا بالامل او القوة المنبثقة من ارواحهم الشابة واملهم الفتي كقول ملاك قحطان ( قال لي حين تعتم حياتك .. تذكريني فقط) مع الامل سيكون العتاب على الرحيل ألم وذكرى وقوة ( امسك يدي وقال سنواجه العالم معا والى الان يدي تؤلمني من شدة الفقد) لهذا كانت ايدلوجيات الشعراء تلتقي ولكن الصوت بايقاعه يختلف والحس والخيال بتشبيهات عفوية تعطي للنص روح على بساطة البنية فان انزياحاتها تتسع لعالم اقوى وامنع في صيرورة اليتم او الخذلان او الفقد او صورة محبة الاباءكقول نور الهدى حازم (في الكنسية والمسجدهنا وهناك روحي في بعدككل يوم تتلف بانتظار رؤيتك تسعد). 
لم يكن الشوق مختلف فيهم ، فاشراقهم ظاهرة من دون رمزية ، او ايحاء لها ، فهم رسموا ما فقدوه بصورة لاتحتاج لمجهر ، ولم يكن الغموض ستارا لهم ، فقد اختاروا ان يكونون اكثر وضوحا تعبيرا لغموض ذلك المجتمع ، الذي يعيشون فيه ، ويختنقون منه في نفس السعادة التي عبارة عن ومضات لم تعطهم الا ذلك الاشعاع من كوة كوخهم ،عبرت فيه نرجس عزيز ناظم عن اشواقها لابيها بوضوح كباقي الشعراء وهي اصغرهم سنا والصقهم لحنان الاب فالكلمة مصداق لبراءة اعتاب القدسية في خيال الجميع لما حملوه لمن فقدوا من اباء او امهات او اصدقاء واخوة فقد شمت رائحة والدها بكل مكان راوده او تعلق به (أماكن أمر بها فأستنشق رائحتك ، اتمنى ان يعيد الزمن تلك اللحظات والذكريات).
الديوان ( اشياء ) ذكرنا منه شيء بسيط ، لم نتعرض الى ما يخوضه النقاد ، بل سلطنا الضوء على الاشياء التي تضيء في حياتنا وتترك امل عبر زمن كاد ان يتفق فيه الجميع على الخلاف واتفق فيه شعراء على مطارح الشوق و متاعب الحياة ، وفقدان االاباء ، نعم ، فيه من يريد ان يصيد اخطاء ، لكنه من اراد الصيد ، فقد نسي ( اشياء) وعمي عنها ، اشد على ايديكم ، وان شاء الله نجدكم اوسع من هذا واكثر من ذاك حتى نرى طعم الحياة من تلك البراعم ... سأترككم مع مقاطع من ديوان اشياء للشاعرة مريم اسامة الخفاجي نهاية القول شيء والاشياء لاتنتهي :
وانبثق من بعد الخسارة 
امل جديد
فأنا عن اضمحلال القدرة جدا بعيد 
***
في الحياة الجميلة الخالية من المشاكل 
لايوجد للبشر مكان 
هم متواجدون في وادي صنع للاحزان
لايريدون الفرح
وعنه مبتعدون ... حتى عيونهم 
لم تعرف ان لها دمعا عند الافراح يكون 
***
بين ضحكات تعالت
وكلمات عن الامل والافراح خطت 
لدمعي فقط كان الحضور الصادق

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;