هل تعود الفتن علينا بالخراب والدمار

هل تعود الفتن علينا بالخراب والدمار

ما وصلنا إليه اليوم من فتن ومن بلايا ومن أقاويل كاذبه ومن إشاعات مغرضه كل هذه الفتن تهدم الدين وتذهب بالقيم ولقد كثرت الفتن في هذا الزمان، وأصبح المسلم يرى الفتن بكرة وعشياً، وحلَّ من البلايا والمحن والنوازل والخطوب الجسام الشيءُ الكثير، وما ذاك إلاَّ بسبب ما آل إليه حالُ المسلمين من ضياعٍ وتشتت، وبُعدهم عن منهج الإسلام .

وكم جرَّت الفتن على المسلمين مِن شرور عظيمة، وفساد عريض، فكم مِن نفس سُفك دمها؟ وكم مِن أُسْرة رُمِّلت ويُتِّمت وشُرِّدت؟ وكم مِن جسد أُصِيب وجُرِح؟ وكم مِن متجر سُرق ونُهب؟ وكم مِن مركبة أُتْلِفت؟ وكم مِن طريق قُطِع وأُغْلِق؟ وكم مِن امرأة أو صغير أو مُسِنٍّ أو شاب خُوِّف وأُهِين؟ وكم مِن مريض أُعِيق عن الخروج لعلاجه ودوائه؟ وكم مِن صلاة ضُيِّعت؟ وكم مِن عابر سبيل أُرْعِب ونُهب؟

وكم مِن مدرسة أُقْفِلت؟ وكم مِن بيت لم يَخرج وليه لكسب الرزق لساكنيه؟ وكم وقعت مِن خسائر في اقتصاد البلد؟ وكم أُضْعِف مِن الأمن ورجالاته؟ وكم حصل مِن التَّفرُق والتناحر بين أهل البلد الواحد، وكم مِن الفوضى العارمة انتشرت، وكم أفلَت مِن مُجرم مِن السِّجن والعقوبة؟ وكم تجرأ مِن قاطع طريق وسارق ومغتصب؟.

وفى هذا يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "إن السعيد لَمن جُنِّبَ الفتن إن السعيد لمن جُنب الفتن إن السعيد لمن جُنب الفتن ولمن ابتلي فصبر فواها" وإنَّ العالم الإسلامي اليوم تجتاح كثير مِن بلدانه أمواج عاتية مِن الفتن، فتن تحرق الدِّين، وتحرق العقل، وتحرق البدن، فتن اجتالت الأنفس والثمرات، وأذهبت الأموال والممتلكات، وأحرقت المدن والأرياف، فتن أفزعت الرجال والنساء، الصغار والكبار، والفتن إذا حلَّت بأرض قوم لا تُصيب الظالم وحدَه، بل يَصلى بنارها الجميع، ويلحق ضررُها الصغيرَ والكبير والصغير، والذَّكر والأنثى .

وسأل رجل فقال: يا رسول الله، هل للإسلام من منتهى؟ قال: "أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيراً أدخل عليهم الإسلام". قال: ثم مه؟ قال: "ثم تقع الفتن كأنها الظلل". قال الرجل: كلا والله إن شاء الله! قال: "بلى، والذي نفسي بيده! ثم تعودون فيها أساود صُباً يضرب بعضكم رقاب بعض" ومعنى أَسَاوِدَ صُبَّا: الأساود نوع من الحيات عظام فيها سواد وهو أخبثها، وصُبّا الصب من الحيات التي تنهش ثم ترتفع ثم تنصب، يعني بذلك تشبيههم بها وما يتولونه من الفتن والقتل والأذى.

نعم حقا إنها الفتن إذا تلاطم موجها، وغشيت كقطع من الليل مظلم، عندها تضطرب الأفهام، وتزل الأقدام، وتختل الموازين؛ فإذا بدهماء الناس يسيرون خلف كل ناعق، ويهتفون لكل صائح، يرددون بلا وعي، ويتعجلون بلا روية، حتى قال حذيفة رضي الله عنه "تكون فتنة تموج فيها عقول الرجال، حتى ما تكاد ترى رجلاً عاقلاً".

وهذا ما نُعايش بعضه اليوم، ونُشاهده صباح مساء، حتى صار حديثنا في كل وقت، وعند كل مجلس ولقاء، بل وصل الحال إلى ما هو أشدّ، وصل الحال إلى أنْ يخوض المسلم بنفسه في الفتن، ويولجها باب القتل والاقتتال، بل قد لا يَدري لِمَا جُرَّ لهذه المعارك، وكيف انزَجَّ في غمارها، ولا يَعرف لأيِّ شيء يَقتُل مَن هو مُسلم مثله، ولماذا يُهرِق دم مَن يُصلِّي ويُزكِّي ويصوم ويحُج ويقرأ القرآن ويَذْكر الله مثله، ولقد صحَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يَدْرِى الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَل،َ وَلاَ يَدْرِى الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ " .

والفتن منها ما هو خاص بالمرء في ذاته، ومنها ما هو عام عليه وعلى أمته، فقد يفتن المرء بنفسه فيصيبه الغرور والعجب، والكبر، والبطر، وحب الشهرة والتعالي، والاعتداد بالرأي المجحف، والتعصب للهوى، والحسد، والفخر ، وقد يفتن في أهله وماله وهنا يقول الله عز وجل " إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ " سورة التغابن وقال النبى الكريم عليه الصلاة والسلام "إن لكل أمة فتنةً، وفتنة أمتي المال" رواه الترمذي .

ومن ذلك الافتتان بزهرة الحياة الدنيا، والمنصب والجاه والنسب، ونحو ذلك، والسحر والشيطان وقرناء السوء، وفتنة التبرج والسفور، والمجاهرة بالسوء والفحشاء، والتشبه بالأعداء فتنة، وقبض العلم وذهاب الصالحين، وارتفاع الأسافل، وإسناد الأمر إلى غير أهله فتنة، والقتل والتعذيب والسجن والإبعاد والحرمان فتنة، وعلماء السوء، ودعاة التغريب والتخريب فتنة، وتسلط أهل الكفر والإلحاد على أعراض المسلمين وحرماتهم ومقدساتهم وممتلكاتهم في بلاد شتى، وهواننا عن نجدتهم واستنقاذهم فتنة .

وإن من الفتن أن يأتي على الناس زمان لا يُتبع فيه العالم، ولا يُستحيا فيه من الحليم، ولا يوقر الكبير، ولا يرحم الصغير ، زمانٌ تنتكس فيه الفطر، وتختل فيه الموازين، فيصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، ويخوّن فيه الأمين، ويُكذب الصادق، وتشتد على المسلم غربته في دينه بين أهله وقرابته وفي مجتمعه وأمته.

فتن يكثر فيها الهرج والمرج، يكثر فيها القتل بحق وبغير حق، وفي هذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي يوم لا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيم قتل"، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: "الهرج، القاتل والمقتول في النار" رواه مسلم.

وقال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيراً لهم وينذرهم ما يعلمه شراً لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء شديد وأمور تنكرونها، وتجيء فتن فيرقق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي! ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه! هذه! فمن أحب منكم أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه".

فنحن في زمن كثرت فيه الفتن، وما هي إلا من علامات الساعة التي أخبر عنها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، أن يسلط بعض الأمة على بعض، ويقتل بعضها بعضا، وتسيل الدماء، وتنتهك الحرمات، وتسلب الأموال، وفي هذا يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها" .

وعن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن بين يدي الساعة الهرج"، قالوا: وما الهرج؟ قال: "القتل، إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضاً، حتى يقتل الرجل جاره ويقتل أخاه ويقتل عمه ويقتل ابن عمه"، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟! قال: "إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء" رواه أحمد .

حقا إنها الفتن لا تطيب معها حياة، ولا يصفو معها عيش، تذهل لها العقول، وتضيق بها الصدور، وتزل فيها الأقدام ، فما المخرج من هذه الفتن التي نراها ونسمع بها من حولنا؛ ولربما بُلينا ببعضها؟! فإن أول الواجبات على المسلم تجاه الفتن: عدم الفرح بها أو استشرافها، أو السعي فيها ولها، دليل ذلك ما صح عن النبى عليه الصلاة والسلام من تعوذه من الفتن، وسؤال الله صرفها عن أمته، يقول صلى الله عليه وسلم "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن" رواه البخاري.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه! ومن وجد منها ملجأ أو معاذاً فليعذ به" رواه البخاري.. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية؛ فإذا لقيتموه فاصبروا" رواه البخاري.

ولما حدثنا النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن الدجال قال "من سمع بالدجال فلينأ منه؛ فوالله! إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه؛ مما يُبعث به من الشبهات" رواه أبو داود .. وإن السعيد لمن جنب الفتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنها ستكون فتن، ألا ثم ستكون فتنة"، إلى أن قال: "فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه".

فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: "يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت! اللهم هل بلغت!". فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن كرهت حتى يُنطلق بي إلى إحدى الصفين، أو إحدى الفئتين، فضربني رجل بسيفه، أو يجيء سهم فيقتلني. قال:" يبوء بإثمه وإثمك، ويكون من أصحاب النار" رواه مسلم.

وإنْ كنا نُريد أزمنة الفتن السعادة والسلامة لديننا ودنيانا فلنَكُفَّ أيدينا وألسنتنا ومقالاتنا عن الخوض في الفتن أو المشاركة، ونجتنبَ أماكنها وساحاتها، ونُقفلَ أسماعنا عن دعاتها وقنواتها وإذاعاتها التي تزيد في إشعالها، وتُطيل أمدها، وتُقوِّي أمرها، لِمَا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: " إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، وَلَمَنِ ابْتُلِىَ فَصَبَرَ فَوَاهًا ".

فأكثروا مِن الطاعات أوقات الفتن، فالأعمال الصالحة مِن أعظم أسباب حماية العباد مِن الفتن، فهي تُقوِّي الإيمان، وتزيد في الثبات، والله لا يُخيِّب مَن أقبل عليه ولزم طاعته، ومَن عامل الله بالتقوى والطاعة حال رخائِه، عامله الله باللُّطف والإعانة حال شِدَّته، حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ " ...

الكلمات المفتاحية هل تعود الفتن الخراب

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التعليقات

ضعي تعليقَكِ هنا

التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;