أكد علماء الأزهر أن وجود العصمة في يد الزوجة لا يضيف شيئا لها سوى حق تطليق نفسها، ولا يعني ذلك سلب حق الزوج في تطليق زوجته، أو إلغاء قوامته عليها، وما دون ذلك يجب أن تكون مطيعة لزوجها، مؤدية لحقوقه. وأشار العلماء إلى أن بعض أهل العلم أجازوا أن تشترط المرأة على زوجها عند العقد أن تطلِّق نفسَها متى شاءت، فتقول «طلَّقتُ نفسي»، ولا تقول لزوجها «أنت طالق» كما يظن البعض، مؤكدين أن الرجل ليس محلا للطلاق، إنما محله المرأة، وله أن يطلق زوجته بنفسه، وله أن يوكل غيره في تطليقها، وله أن يفوضها هي في تطليق نفسها، ولا يعني هذا التفويض منه إسقاط حقه في الطلاق. ((هل للزوجة أن تشترط عند العقد أن يكون الطلاق بيدها))
أما اشتراط الزوجة عند العقد أن يكون الطلاق بيدها فباطل لا يصح عند أكثر الفقهاء لأنه مخالف لمقتضى العقد، وذلك لأن الله سبحانه قال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء:34}، والطلاق فرع عن جعل القوامة للرجل، وبالتالي فإن الطلاق في الأصل هو من حق الرجل، وهذا هو الذي يتفق مع الفطرة، فالرجل هو الراعي للأسرة وبيده مفاتيح الحل والعقد، والرجل أقدر من المرأة في الغالب على ضبط عواطفه وانفعالاته وتحكيم عقله، وخاصة عندما تقع المشكلات بين الزوجين، ويثور الغضب بينهما.. وذهب الأحناف إلى جوازه إذا ابتدأت به المرأة فقالت: زوجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي أطلق نفسي كلما شئت، فقال الزوج: قبلت.. ويكون أمرها بيدها.
أما لو بدأ الزوج فقال: تزوجتك على أن أمرك بيدك فإنه يصح النكاح ولا يكون أمرها بيدها لأن التفويض وقع قبل الزواج. وقال المالكية: لو شرطت المرأة عند النكاح أن أمرها بيدها متى أحبت، فهذا العقد مفسوخ إن لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها ثبت النكاح ولها صداق المثل، وألغي الشرط فلا يعمل به لأنه شرط مخل. يراجع في ذلك الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه.
وأما تفويض الزوج لزوجته أن تطلق نفسها بعد العقد فأكثر الفقهاء على جوازه، ونقل الإجماع على ذلك، ثم اختلفوا فيما إذا فوضها هل يتقيد ذلك بمجلس التفويض فقط فلو طلقت نفسها بعد ذلك لم يقع أم أن ذلك يكون على التأبيد ما لم يرجع الزوج؟ ((رأي الأئمة الأربعة)) فقال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي: هو مقصور على المجلس، ولا طلاق لها بعد مفارقته، لأنه تخيير لها، فكان مقصوراً على المجلس كقوله: اختاري.
وأما الحنابلة فقد جعلوا ذلك الحق لها على التأبيد ما لم يرجع الزوج، أو يطأها، قال ابن قدامة في المغني:(ومتى جعل أمر امرأته بيدها، فهو بيدها أبداً لا يتقيد بذلك المجلس). ثم رجّح هذا الرأي بقول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها: هو لها حتى تنكل. قال (أي ابن قدامة): ولا نعرف له في الصحابة مخالفاً، فيكون إجماعاً، ولأنه نوع توكيل في الطلاق، فكان على التراخي كما لو جعله لأجنبي بقي أن نشير إلى مسألة مهمة، وهي رجوع الزوج عن جعل عصمة الزوجية بيد الزوجة هل يقبل أم لا؟ الراجح أن الزوج له حق الرجوع، وفسخ ما جعله لها، وعندئذ يرجع حق التطليق إليه وحده، ولو وطئها الزوج كان رجوعاً، لأنه نوع توكيل والتصرف فيما وكّل فيه يبطل الوكالة، وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل، كما تبطل الوكالة بفسخ التوكيل. انظر المغني لابن قدامة ((العلة في جعل الطلاق بأيدي الرجال دون النساء)) قال ابن رشد: "لأنَّ العلَّة في جعْل الطَّلاق بأيدي الرِّجال دون النساء هو لِنُقصان عقلِهنَّ، وغلبة الشَّهوة عليهنَّ، مع سوء المعاشرة"؛ "بداية المجتهد".
ومع كوْن الطَّلاق حقًّا للرِّجال، فقد أجاز بعضُ العُلماء تفويضَ الزَّوجة في تطليق نفسِها متى شاءت، قال في "فقه السنة": "الطَّلاق حقٌّ من حقوق الزَّوج، فله أن يطلِّق زوجتَه بنفسه، وله أن يفوِّضَها في تطْليقِ نفسِها، وله أن يوكِّل غيرَه في التَّطْليق، وكلٌّ منَ التَّفويض والتَّوكيل لا يُسْقِط حقَّه، ولا يَمنعه من استِعْماله متى شاء، وخالفَ في ذلك الظَّاهريَّة، فقالوا: إنَّه لا يَجوزُ للزَّوج أن يفوِّض لزوجتِه تطليقَ نفسها، أو يوكل غيرَه في تطليقها؛ لأنَّ الله - تعالى - جعل الطَّلاق للرجال لا للنساء".
فعلى ما سبق يتبين: أن الأصل: كون الطلاق بيد الرجل لا غيره، وهو الذي يُوقعه متى شاء، ولا تكون العصمة بيد الزوجة إلا بتفويض من الزوج، وهذا التفويض إما أن يكون قبل العقد، أو بعده: فإذا كان بعد العقد، فأكثر الفقهاء على جوازه، وقيدوه بمجلس التفويض. وأما إن كان قبل العقد، فلا يصح عند أكثر الفقهاء؛ لأنه مخالف لمقتضى عقد النكاح الذي يجعله حقًّا خالصًا للزوج، وأجاز الحنفية جعل العصمة بيد المرأة، في حال ابتدأت به المرأة فقالت: زوجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي، فقال الزوج: قبلت.